..

البيمارستان

بيمارستان    (  Bimaristan  )
كلمة فارسية  من كلمتين هما "بيمار" ومعناها المريض
و "ستان" ومعناها دار وبذلك يكون المعنى دار المريض، واختصر هذا الاسم فيما بعد فصار مارستان.
كانت البيمارستانات منذ بداية ظهورها تقوم بأعمال المشافي العامة في معالجة مختلف أنواع الأمراض
 بقيت كذلك مدة طويلة إلى أن اعتراها الإهمال وتضاءلت مواردها وأغلق أو تهدم الكثير منها مع الزمن وتحول بعضها إلى مأوى للمجانين بعد أن هجرها المرضى حتى إن المفهوم من كلمة "مارستان" صار كثيراً ما ينصرف إلى معنى دار لإيواء المجانين ومعالجتهم. لم تكن جميع البيمارستانات في العالمين العربي والإسلامي كبيرة وكاملة التجهيز فقد كان منها الكبيرة والصغيرة، وذلك تبعاً لوجودها في مدن صغيرة أو في العواصم وتبعاً لمواردها المادية والخدمات الصحية والتعليمية التي كانت تقوم بها.قبل العصور الوسطى كان الإغريق لديهم ما يدعى “معابد الشفاء”، وكانت الرعاية الصحية بها تقوم على فكرة العلاج بـ “المعجزات” بدلا من استخدام التحليل العلمي والممارسة الطبية.
بدأ إنشاء المستشفيات الإسلامية من القرن الثامن الميلادي وفي ذلك الحين كانت تدعى المستشفى “البيمارستان”  وكانت مستشفى أحمد بن طولون بالقاهرة هى أول مستشفى بالمعنى الحقيقي وكانت تعالج المرضى وتعطيهم الدواء بالمجان…كما أنها تضمنت قسمًا خاصًا للأمراض العقلية

أنظر أيضا       أول مستشفى في الإسلام
نشأة البيمارستانات
يقول تقي الدين المقريزي في خططه:
 إن أول بيمارستان قام في العالم الإسلامي كان في مدينة دمشق، بأمر من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، عام 88هـ/707م. وإن هذا الخليفة وظف فيه الأطباء وأجرى عليهم الأرزاق. كما أمر بحبس المجذومين فيه لئلا يخرجوا، وأجرى عليهم وعلى العميان والمقعدين الأرزاق. ويروي الطبري، في تاريخه أن الوليد أعطى لكل مقعد خادماً ولكل ضرير قائداً. من الثابت تاريخياً أن أول بيمارستان أنشئ في الشرق الأوسط كان في جند يسابور من بلاد فارس ويعود تأسيسه إلى أوائل القرن الرابع للميلاد. وفي صدر الدولة العباسية تولى الإشراف عليه الأطباء النساطرة ومنهم آل بختيشوع.
ففي عام 148هـ/765م أصيب الخليفة أبو جعفر المنصور بمرض في جهازه الهضمي، استعصى شفاؤه على أطباء بغداد، فاستقدم جرجس بن بختيشوع، الذي كان رئيساً لذلك البيمارستان وللمدرسة الطبية الملحقة به فقام بمعالجته. وعلى أثر ذلك كثر اعتماد الخلفاء العباسيين على أطباء جندي سابور بصورة عامة وآل بختيشوع بصورة خاصة، فانتقل نشاط هؤلاء الأطباء إلى بغداد، مما نجم عنه تضاؤل العمل في بيمارستان جند يسابور بالتدريج، واختفاؤه واختفاء مدرسته في القرن الرابع الهجري.
وحينما تولى هارون الرشيد الخلافة أمر جبرائيل بن بختيشوع بإنشاء بيمارستان في بغداد، وقد عمل فيه ماسويه الخوزي، ثم صار ابنه يوحنا رئيساً له فيما بعد. ثم توالى بعد ذلك إنشاء البيمارستانات في جميع الأقطار العربية والإسلامية، حتى تجاوز عددها فيما يقال الأربعمائة، موزعة بين سمرقند وديار بكر شرقاً إلى غرناطة وقرطبة وفاس غرباً.
أنواع البيمارستانات
كانت البيمارستانات على نوعين:
بيمارستانات ثابتة وهي التي تكون مبنية ولا يمكن نقلها وكانت منتشرة في أكثر المدن الإسلامية وخاصة في المدن الكبرى.
بيمارستانات متنقلة، وهي ما يمكن نقلها من مكان لآخر. وكانت تجهز في الحالات الآتية: في حالة الحروب والنزاعات المسلحة، وعند تفشي الأمراض والأوبئة في بعض الجهات من البلاد، وفي معالجة من في السجون، ولمرافقة المواكب السلطانية، وخاصة في دولة المماليك. فقد ذكر المقريزي أن السلطان كان يخرج، ومعه الأمراء والأعيان والحاشية، في رحلات ترفيهية إلى القصور التي بنوها في الأرياف، وكان يصحب معه في السفر كل ما تدعو الحاجة إليه. وبالنسبة للرعاية الصحية فيكاد يكون معه بيمارستان لكثرة من يكون معه من الأطباء والكحالين والجراحين، إضافة إلى الأشربة والعقاقير وما يجري مجرى ذلك. وكان كل ما يصفه الأطباء يصرف من الشرابخانة (الصيدلية) المحمولة ومن البيمارستانات ما كانت تقام لحالات طارئة، أو لمناسبات محدودة مؤقتة. فقد كان أحمد بن طولون قد أمر بعمل بيمارستان صغير مؤقت قرب الجامع المسمى باسمه، يتضمن خزانة شراب فيها جميع الأدوية والشرابات، وعليها خدم وفيها طبيب، وذلك ليوم الجمعة فقط، للقيام بالإسعاف اللازم لحادث قد يحدث للحاضرين للصلاة.
أقسام البيمارستان
كان البيمارستان الثابت يضم قاعات فسيحة مجهزة بسرر من حديد أو خشب ولحف وطراريح ومخاد محشوة قطناً. وكانوا يخصصون كلاً من قاعات البيمارستان لطائفة من الأمراض: كالأمراض الباطنة، والجراحة، والكحالة والتجبير.
وغالباً ما كانت قاعة الأمراض الباطنة تتضمن قسماً للمصابين بالحمى (المحمومين)، وآخر للمتخومين (المبرودين)، وقسماً للمصابين بأمراض عقلية (ممروين). وقد يجعلون قاعة خاصة للمصابين بالإسهالات وكان الماء جارياً في كل هذه الأماكن.
وكان البيمارستان ينقسم غالباً إلى قسمين: قسم للذكور وآخر للإناث وكل منهما منفصل عن الآخر. وفي كل منهما جهاز متكامل من العناصر الطبية وعناصر الخدمات. وكان في كل بيمارستان ما نسميه اليوم بالعيادة الخارجية. فكان أحد أطباء البيمارستان يجلس على دكة لاستقبال المرضى، الذين يردون إلى البيمارستان فيفحصهم، ويعطي الذين لا يحتاجون إلى إقامة في البيمارستان، وصفات مكتوبة يحصلون بموجبها من صيدلية البيمارستان على ما كتب لهم أدوية وأشربة ليتناولوها في منازلهم.
ومن المرافق الهامة في البيمارستان الصيدلية وكانت تسمى خزانة الشراب أو الشرابخانة، وقد تشغل جناحاً كبيراً فيه، كما كانت الحال في البيمارستان المنصوري بالقاهرة. وكانت تحضّر فيها مختلف أشكال الأدوية، من شرابات ومعاجين وأكحال وشيافات، كما كانت تُخزن فيها العقاقير والأدوية المصنّعة، وفيها تُوزَّع على المرضى.
ويوجد في بعض البيمارستانات الكبيرة خزائن للكتب، تضم عدداً من كتب الطب، مما يحتاج إليها الأطباء، لتكون مراجع لهم، أو لتكون كتباً تدريسية يعتمدون عليها في تدريس طلاب الطب في البيمارستان. وفي ذلك المكان كانت تعقد المداولات العلمية بين أطباء البيمارستان، وكثيراً ما يكون ذلك بحضور طلاب الطب. وفي هذا المكان أحياناً كانت تعطى الدروس النظرية في الأمور الطبية. ويذكر أن بيمارستان ابن طولون في فسطاط مصر كان يضم في خزانته ما يزيد على مئة ألف مجلد في كل العلوم.
وتمتاز البيمارستانات الكبيرة أيضاً باحتوائها على حمام للنساء وآخر للرجال. وذلك ليغتسل المرضى قبل ارتدائهم الثياب الخاصة بالإقامة في البيمارستانات.
إدارة البيمارستان
كان الإشراف الإداري العام على البيمارستان مرتبطاً بناظر يشرف على إدارة الأموال والأوقاف المخصصة له، وعلى سلامة مبانيه وحسن سير العمل فيه. وكانت هذه الوظيفة، بالنسبة للبيمارستانات الكبيرة في العواصم، من الوظائف الديوانية العالية في الدولة، فقد كان ناظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة من أصحاب السيوف لأكبر الأمراء بالديار المصرية، كما كانت مهمة النظر والإشراف على البيمارستان النوري بدمشق معقودة لنائب السلطنة .
أما الإدارة اليومية والمباشرة لأقسام البيمارستان فكان يتولاها شخص يسمى الساعور وهي كلمة سريانية الأصل تعني مُتَفقِّد المرضى. وكان في كل بيمارستان عدد من الأطباء يعملون تحت إشراف رئيس الأطباء. كما كان فيه رؤساء أقسام، فكان هنالك رئيس للكحالين، ورئيس للجراحين، وهو يرأس الجراحين والمجبرين، أما أطباء الأمراض الداخلية فكان يطلق عليهم اسم الطبائعيين.
وكان يساعد الأطباء في عملهم الفراشون والقومة لخدمة المرضى وللقيام بأعمال النظافة، وكانت هذه العناصر العاملة من الجنسين الإناث والذكور. وكان رئيس الأطباء يدور على المرضى ويتفقد أحوالهم وبين يديه مساعدوه، من أطباء وطلاب طب، والمشرفون والقوام على خدمة المرضى، فكان كل ما يكتب للمريض من دواء وغذاء يجري تنفيذه ولا يؤخر.
التعليم في البيمارستان
كانت البيمارستانات في المدن الإسلامية الكبيرة إضافة إلى خدماتها الطبية العلاجية، تقوم بمهمة تدريس الطب فكانت أشبه ما تكون بمعاهد طبية يتم التدريس فيها نظرياً وعملياً. وكان التدريس النظري يجري غالباً في القاعة المخصصة لذلك وكانت تضم خزائن الكتب. أما التدريس العملي فيكون بمرافقة الطلاب لأطباء البيمارستان في جولاتهم الدورية على المرضى. وكانت جميع الخدمات العلاجية والتعليمية تقدمها البيمارستانات مجاناً لفقراء المسلمين، وتتم تغطية النفقات كافة المتعلقة بذلك من الأوقاف المخصصة وارداتها لصالح البيمارستان
البيمارستان في الإسلام
أشهر البيمارستانات في العالمين العربي والإسلامي
بيمارستانات مصر
البيمارستان العتيق: أنشأه أحمد بن طولون سنة 259هـ/872م في الفسطاط. ويقول القلقشندي عنه إنَّه أول بيمارستان بني في مصر، وقد وصفه وأشاد به ابن جبير في رحلته.
البيمارستان الناصري: ويسمى أيضاً البيمارستان الصلاحي. أنشأه السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي عام 567هـ/1171م في القاهرة. وقد تكلم القلقشندي على هذا البيمارستان، وقال إنه كان قائماً في أيامه، وهذا المؤرخ توفي عام 821هـ/1418م.
البيمارستان المنصوري: ويسمى أيضاً بيمارستان قلاوون. أمر ببنائه الملك المنصور قلاوون الصالحي، الذي تولى سلطنة مصر عام 678هـ/1279م. يقول أحمد عيسى: "إن في مستشفى قلاوون في هذا الوقت نحو تسعين سريراً يقيم فيها مرضى العيون للاستشفاء، وفيه ستة أطباء وصيدلاني واحد".
بيمارستانات العراق
وهي كثيرة العدد، وأغلبها أُنشئَ في مدينة بغداد، منها بيمارستان الرشيد، وبيمارستان المقتدري، وبيمارستان السيدة، وبيمارستان معز الدولة، وبيمارستان الموصل، وبيمارستان ميافارقين. إلا أن أشهرها البيمارستان العضدي الذي أنشأه عضد الدولة بن بويه عام 368هـ/978م في بغداد،.
وقد أشاد به الرحالة ابن جبير حينما زار بغداد عام 580هـ/1184م، ولا يعرف بالضبط إلى أي تاريخ استمر هذا البيمارستان في خدماته، ولكن  أحمد عيسى يذكر أن آخر ساعور كان يعمل فيه هو أبو علي بن الخير، الذي كان حياً عام 608هـ/1211م.
أشهر البيمارستانات في بلاد الشام
البيمارستان النوري الكبير في دمشق:
أنشأه الملك العادل نور الدين بن محمود زنكي نحو عام 549هـ/1154م. وقد استمر العمل في هذا البيمارستان حتى عام 1900م، حيث قامت بلدية دمشق بإنشاء مستشفى للغرباء في الجانب الغربي من التكية السليمانية. وقد جمعت له الإعانات واقتطع مبلغ من واردات البلدية كما اقتطعت أوقاف البيمارستان النوري لإتمام بناء المستشفى الجديد الذي أطلق عليه في أول الأمر اسم المستشفى الحميدي نسبة إلى السلطان عبد الحميد الذي أمر بإنشائه. المزيد
البيمارستان القيمري
أنظر ايضا      البيمارستان القيمري

البيمارستان الجديد بحلب:
ويدعى أيضاً بالبيمارستان الأرغوني أو الكاملي. أنشأه الأمير سيف الدين أرغون الكاملي عام 755هـ/1354م. وهو من البيمارستانات الإسلامية التي كانت مجهزة أحسن تجهيز وبناؤه لم يزل سليماً وإن كان يحتاج لبعض الترميم. وقد بقيت أعماله تسير بانتظام حتى القرن العاشر للهجرة وبعد ذلك أهمل أمره ولم يبق فيه سوى المجانين. وفي عام (1338هـ /1919م) نقل المجانين منه إلى مستشفى الغرباء بدمشق، وأغلق بابه ولم يبق فيه سوى بعض الفقراء لحراسته.
البيمارستانات في آسيا الصغرى
أنشئ في العهد السلجوقي عام 1206م بمدينة قيسارية أول بيمارستان في آسيا الصغرى. ثم تلاه بناء بيمارستانات أخرى في مدن سيواس وقونية وماردين وأرضروم وغيرها. وكان للبيمارستانات عدة تسميات: بيمارستان ـ مارستان ـ بيمارخانه ـ دار الشفاء ـ دار العافية. وكانت هذه البيمارستانات مستشفيات عامة تعالج فيها مختلف أنواع الأمراض. وكان يعمل فيها أطباء وجراحون وكحالون وصيادلة.
أما في العهد العثماني فأول بيمارستان أقيم في الأناضول كان دار الشفاء التي أنشأها بايزيد الأول في مدينة بورصة عام 802هـ/1399م. وقد أصلح هذا البيمارستان مراراً قبل أن يُهجر في منتصف القرن التاسع عشر، ويحل محله مستشفى أحمد توفيق باشا. وأعقب هذا البيمارستان افتتاح العديد من البيمارستانات، فأنشأ مراد الثاني واحداً في أدرنة، وأنشأ السلطان الفاتح آخر في اصطنبول، ثم بايزيد الثاني في أدرنة أيضاً. وهكذا أنشئ الكثير من دور الشفاء في اصطنبول وبقية بلاد الأناضول.
البيمارستانات في البلاد العربية والإسلامية الأخرى
في عهد الخليفة العباسي المستنصر أنشئ البيمارستان المستنصري عام 628هـ في مكة المكرمة. وجُدّد بيمارستان المدينة المنورة في أيام الملك الظاهر بيبرس، المتوفى عام 676هـ.
أما في شمال إفريقية فقد أنشأ أحد ملوك الحفصيين وهو أبو فارس عبد العزيز بن أحمد مارستاناً للضعفاء والغرباء وذوي العاهات في مدينة تونس بالقرب من سيدي محرز لا يزال موجوداً، ولكن تغيرت معالمه، ويرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر للميلاد.
وفي مراكش قام السلطان المنصور الموحدي أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن المتوفى سنة 595هـ بإنشاء بيمارستان وأمر البنّائين بإتقانه على أحسن الوجوه، وأمر بتزويده بالفرش النفيسة والأدوية الثمينة.
وأنشأ أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي مارستاناً في مدينة غرناطة عام (768هـ/1367م). ولما سقطت غرناطة عام 1492م حول بناء البيمارستان إلى دار لضرب السكة، ثم حدثت فيه تغيرات عديدة شوهت معالمه وتهدم معظمه.

0 التعليقات:

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More