..

الفراسة في الإسلام

إكتشفت ان بعضاً من أصدقائي يرفضون أن يقرأوا المواضيع التي أكتبها عن قراءة الوجه و ذلك لعدة أسباب , فبعضهم يعتبر ان قراءة الوجه حرام أو بدعة ولا أصل لها في الدين , أو يحرمها ظناً منه انها نوع من الظن أو الإخبار عن الغيب , و البعض يرى أنها قاصرة على أهل العلم و أنبياء الله و أولياؤه الصالحين فقط , ولا يمكن تعلمها بل هي هبة من الله يهبها لمن يشاء , و بعضهم يجد أن قراءة الوجه هي ضرب من الكهانة و الدجل وأن الغرض منها خداع الناس.
فرأيت أن أنقل لكم بعضاً من أراء أهل العلم من المسلمين (ابن الأثير و ابن قيم الجوزية و غيرهم) عن الفراسة عموماً و عن قراءة الوجه كجزء من علم الفراسة الشامل.
الفراسة في الاسلام
تعريف الفراسة في اللغة العربية :
الفِراسة بكسر الفاء من قولك تفرست فيه خيرا , وهو يتفرس أى يتثبت وينظر , ويقال رجل فارس النظر ومنه الحديث ” اتقوا فراسة المؤمن  . . “مختار الصحاح
الفراسة اسم من التفرس وهو التوسم . . تاج العروس
الفراسة بكسر الفاء هي النظر والتثبت والتأمل للشيء والبصر به . . لسان العرب لإبن منظور
وقال ابن القطاع , الفراسة هي إدراك الباطن . . تاج العروس , القاموس المحيط
الفراسة هي المهارة في تعرف بواطن الأمور من ظواهرها . . المعجم الوسيط
وهكذا وجدنا علماء اللغة عندما تناولوا تعريف الفراسة يدور كلامهم من خلالها حول النظر والتثبت و التعرف على بواطن الأمور.
تعريف الفراسة إصطلاحاً كما عرفها اهل العلم من علماء المسلمين :
قال أبو جعفر الحداد : الفراسة أول خاطر بلا معارض فإن عارضه معارض آخر من جنسه فهو خاطر وحديث نفس.
وقال الدراني : الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب وهي من مقامات الإيمان.
و قال الراغب الأصفهاني : هي الاستدلال بهيئات الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله على أخلاقه وفضائله ورذائله.
و قال الهروي في منازل السائلين : الفراسة هي إستئناس حكم الغيب.
و قال فخر الدين الرازي : الفراسة هي الإستدلال بالأحوال الظاهرة على الأخلاق الباطنة.
و هكذا نرى أن الفراسة قد اختلفت حولها ألفاظ العلماء لكن جميعها يصب فى معين واحد وهو”  الظن الصائب الناشئ عن تثبيت النظر فى الظاهر لإدراك الباطن ” , وعليه فالفراسة لا تعدوا أن تكون ظنا لكنه ترجح بأحد المرجحات أو أكثر وهذا الظن ليس وحيا شيطانيا من غير أساس قويم بل له قواعد وأسس , ومن هنا أطلقوا عليه لفظ ”علم  ”فالعلم هو ما يقوم على قواعد وأسس ثابتة , لذا قيد بأنه ظن صائب حتى لا يختلط بالظن المذموم فى قوله تعالى  ”اجتنبوا كثيرا من الظن”.
وقد قسَّم ابن الأثير الفراسة (في كتاب النهاية) إلى قسمين :
الأول : ما دل ظاهر هذا الحديث عليه  ”اتقوا فراسة المؤمن ” وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه , فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس.
 الثاني : نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس . .
و يقسمها إبن القيم (في كتاب مدارك السالكين) إلى ثلاثة أقسام :
الفراسة الإيمانية : وهى نور يقذفه الله فى قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل , والحالي والعاطل , والصادق والكاذب , وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب كوثوب الأسد على الفريسة , وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانا فهو أحدُ فراسة . . . و هذا النوع مصاحب للأنبياء و الصالحين وأهل العلم والايمان.
الفراسة الخلقية : وهى التى صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخِلق على الخٌلق لما بينهما من الارتباط الذى اقتضته حكمة الله كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل وبكبره على كبر العقل , وبسعة الصدر وبعد ما بين جانبيه على سعة خلق صاحبه واحتماله وبسطته , وبخمود العين وكلال نظرهما على بلادة صاحبها , وبتدويرها مع حمرتها وكثرة تقلبها على خيانته ومكره وخداعه. . .
الفراسة الرياضية : فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي , حيث أن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها , وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر , ولا تدل على إيمان ولا على ولاية , وهي من أبطل الباطل , وللرهبان فيها وقائع معلومة , وهي فراسة لا تكشف عن حق نافع ولا عن طريق مستقيم , وهي من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبارة الرؤيا . . . و يوجد هذا النوع من الفراسة حتى هذا الحين لدى رهبان معبد شاولين و أيضاً لدى الرهبان البوذيين و الكونفوشيسيين و ما الى غيرهم.
و قال ابن القيم ” فراسة المتفرس تتعلق بثلاث ” بعينه وأذنه وقلبه :
فعينه : للسيماء والعلامات . . . أي لملاحظة العلامات الوجهيية و الجسدية و الخلقية و التفرس فيها.
وأذنه : للكلام وتصريحه وتعريضه و منطوقه ومفهومه وفحواه وإشارته ولحنه وإيمائه ونحو ذلك.
وقلبه : للعبور والاستدلال من المنظور والمسموع إلى باطنه وخفيه . . . بمعنى إدراك القول الملفوظ و الفعل المفعول , و فهم المقصود من وراءه في النية و القلب.
ولإتقان الفراسة سببان كما يرى ابن القيم:
أحدهما : جودة ذهن المتفرس , وحدة قلبه , وحسن فطنته.
والثاني : ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه . . . أي ظهور العلامات الوجهيية و الجسدية و الخلقية.
فإذا اجتمع السببان ، لم تكد تخطئ للعبد فراسة ، وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة ، وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر كانت فراسته بين بين.
الفراسة في الكتاب و السنة :
قال تعالى ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ” (الحجر:75) – ذكر عدد من أهل العلم أن هذه الآية عن أهل الفِراسة , وهم المتفرسون الآخذون بالسيما ، وهي العلامة (السمات الخلقية).
قال تعالى “ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ” (محمد:30)
قال تعالى “ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ ” (البقرة:273)
قال عليه الصلاة والسلام ” إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ” رواه البزار والطبراني في الأوسط
جاء في الأثر عن رسول الله انه قال ” اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله ” رواه الترمذي
أشهر المتفرسين من أهل العلم في التاريخ الإسلامي (بعد رسول الله) :
الخلفاء الراشدون
 إياسُ بن معاوية المزني
شيخ الاسلام الإمام ابن تيمية
الإمام الشافعي
أشهر كتب الفراسة في التاريخ الإسلامي :
الإمام فخر الدين الرازي (1190 م) –  كتب كتابا عنوانه ” كتاب الفراسة “
الإمام إبن القيم الجوزية  (1320 م) –  كتب كتابا عنوانه ” الفراسة “
أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري  (1360 م) –  كتب كتابا عنوانه ” السياسة في علم الفراسة “
العارف بالله زين العابدين محمد العمري المرصفي – كتب كتابا عنوانه  ” البهجة الإنسية في الفراسة الإنسانية “
ابن الدريهم علي بن محمد الثعلبي الشافعي – كتب كتاباً عنوانه ” سلم الحراسة في علم الفراسة “
أشهر من تحدث عن الفراسة من أهل العلم المعاصرين :
مجموعة محاضرات عن الفراسة للشيخ ” أبو إسحاق الحويني “
محاضرة الفراسة للشيخ  ” ناصر بن عبد الكريم العقل “
محاضرة الفراسة للشيخ ” خالد الراشد  ”
محاضرة الفراسة للشيخ ” محمّد المنجد “
و بالرغم من ان أهل العلم يتفقون على تعريف الفراسة وهو (الإستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن) و كذلك يتفقون على انواع الفراسة (الإيمانية و الخلقية و الرياضية) , لكن أغلب أهل العلم دائما يلقون المحاضرات و الدروس عن النوع الاول فقط (الفراسة الإيمانية) , ويسردون من السيرة النبوية و من تاريخ الخلفاء و الصحابة و التابعين و الصالحين ما يدلل و يؤكد على وجود الفراسة , لكنهم لا يتعرضون للنوع الثاني (الفراسة الخلقية) في دروسهم و محاضراتهم و لا يشرحونها او يوضحونها كما ينبغي , على الرغم من ان النوع الثاني من الفراسة هو الذي يمكن تعلمه على عكس النوع الاول الذي هو هبة من الله.
و لقد برع العرب المسلمون في العديد من العلوم , كالطب و الفلك و الحساب و الهندسة . . الخ , و ذلك عندما كانت أوروبا تتخبط في ظلمات العصور الوسطى , ثم بعد أن إتجهت اوروبا الى العلم و الحضارة , نقل الأوربيون عن العرب المسلمين كل العلوم و الثقافات و الحضارة التي إزدهرت في العصر الذهبي الإسلامي , و أصبحوا دولا متقدمة بينما أصبحت الدول العربية و الإسلامية تعرف حديثاُ بدول العالم الثالث (المتأخر) , و أصبحنا نحن ننقل عنهم العلوم و الحضارة و الثقافة.
و السؤال الذي يطرح نفسه , لماذا لا ننقل نحن عنهم العلوم الحديثة لإكتشاف و تحليل الشخصية من خلال ملاحظة السمات الوجهيية و الجسدية (كالفسيونومي و البرسونولوجي و الفرينولوجي . . الخ) . . ؟؟ ,  اليس ذلك بحجة انها ليس لها في ديننا أصل أو بحجة إتقاء الشبهات أو أنها من الظن و يجب ان نجتنب كثيراً من الظن.
أليست ” الحكمة هي ضالة المؤمن , فحيث وجدها فهو أولى الناس بها ” , لو لم تكن هذه العلوم مفيدة لما إهتم بها الغرب , ولما بذل فيها الكثير من العلماء و الباحثين الكثير من الجهد و الوقت و الفكر على مدى عدة قرون من الزمان لتطويرها و تجويدها و تقنينها , مثلها مثل علوم الطب و الفلك و الحساب و الهندسة , فلماذا نقبل بعض العلوم و نرفض الفراسة , وهي في الاصل أحد العلوم العربية و الإسلامية الأصيلة . . ؟؟.

0 التعليقات:

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More