..

لويس باستور تاريخه وأهميته في العلم الحديث

ولد لويس باستور في عام 1822 في مدينة دوليه (Dole)  بفرنسا و إستطاع باستور ترسيخ إسمه للأبد في التاريخ فأصبح هو إلى جانب ألكسندر فليمنج (Alexander Fleming)  , إدوارد جينر  (Edward Jenner) , روبرت كوخ (Robert Koch)  و جوزيف ليستر (Joseph Lister)  من أهم الشخصيات التى أثرت في تاريخ الطب فقد إستطاع باستور إكتشاف طرق ترويض الجراثيم و هو ما جعلنا نرى إسمه حتى الأن يوماً بعد يوم على عبوات الحليب المبستر كنوع من أنواع التكريم له.
ثلاثة أسباب رئيسية جعلت لويس باستور من الشخصيات الهامة للغاية
أظهر لويس باستور أن الجراثيم المحمولة جواً هى سبب الأمراض و قد بنى باستور أعماله على ما توصل إليه إدوارد جينر و قام بتطوير المزيد من اللقاحات .
عندما كان لويس باستور شاباً درس في مدرسة المعلمين (Ecôle Normale)  في باريس و في عام 1843 أصبح باحث كيميائى و في عام 1854 و عن عمر 32 عاماً فقط  أصبح عميد كلية العلوم في جامعة لييل (Lille)   و في هذا الوقت كانت لييل موطن تصنيع الخمور في فرنسا .
في عام 1856 تلقى لويس باستور زيارة من رجل يدعى بيغو (Bigo)  و الذى كان يعمل في مصنع لتصنيع الخمور من بنجر السكر و كانت مشكلة بيغو أن العديد من أحواض البيرة المخمرة لديه تصبح متعفنة فجأة و هذا يؤدى إلى أن تصبح البيرة غير صالحة و لذلك يقوم بالتخلص منها و كانت هذه كارثة من وجهة نظر رجل أعمال لذلك قام بيغو بطلب لويس باستور لمعرفة السبب في ذلك.
قام باستور بإستخدام المجهر لتحليل عينات من أحواض البيرة ووجد ألاف من الكائنات الدقيقة الصغيرة و أصبح مقتنعاً بأن هذه الكائنات هي التي تؤدي لتعفن  البيرة و ليست ناجمة عن التعفن .
تابع لويس باستور عمله في هذا الحقل من خلال دراسة العديد من السوائل الأخرى مثل الحليب , النبيذ و الخل , و في عام 1857 تم تعيينه كمدير للدراسات العلمية في مدرسة المعلمين في باريس . بين عامى 1857 و 1859 كان لويس باستور مقتنعاً أن السوائل التي قام بدراستها تعرضت للتعفن نتيجة الميكروبات الموجودة في الجو و لكن سخرت منه المؤسسة الطبية قائلين أنهم يخشون أن التجارب الطبية التى يقوم بها ستنقلب ضده و أنهم يتمنون أن يعيشوا بالفعل في العالم الذى يرسمه لهم و ذلك عام 1860.
أصبح بذلك باستور مذموماً بالنسبة للعامة و لكن بدلاً من التراجع قرر هو الإستمرار في دراسته و قام بعدة دراسات لإثبات صحة نظريته و توصل إلى أن الكائنات الحية الموجودة في الهواء و التى تسمى ميكروبات و تؤدى لتعفن السوائل يمكن التخلص منها من خلال تسخين السائل.
في إبريل 1864 قام باستور بعرض نظرياته و ما توصل إليه أمام جمع من العلماء في جامعة باريس ما أثبت بالفعل قضيته بما لا يدع مجال للشك و على الرغم من ذلك فكان هناك بعض الحاضرين الذين يرفضون تصديقه منهم الدكتور تشارلتون باستيان (Charlton Bastian)  الذى ظل مصمم على أن التعفن جاء من الداخل و ليس من غزو الكائنات الحية الدقيقة.حتى عام 1865 كان عمل باستور مقتصر على البيرة , النبيذ و الحليب في عام 1865 طُلب منه التحقيق في مرض يسمى بيبيرين (pébrine) و الذى يؤثر على صناعة دودة الحرير و في غضون عام كان باستور قد توصل إلى أن الكائنات الحية الدقيقة هي التي تؤثر على البيرة و دودة الحرير و هي أيضاً يمكن أن تؤثر على البشر و في هذه المرحلة كان لويس باستور يعتقد أن الميكروبات يمكن أن تنشر الأمراض بين البشر . توفي ثلاثة من بنات باستور في الفترة بين 1859 و 1865 إثنان توفوا بالتيفود وواحدة بورم في المخ.
في عام 1865 ضرب وباء الكوليرا مدينة مارسيليا (Marseilles) و قام لويس باستور بعمل العديد من التجارب و الأبحاث للوصول للجرثومة المؤدية لذلك المرض المرعب و لكنه لم يكن موفق في ذلك.
في عام 1868 أصيب باستور في نزيف في المخ أثر على الجانب الأيسر من جسده وأثر أيضاً على قدرته على العمل و لكن العمل الذى كان قد قام به قبل ألهم العديد من العلماء الأصغر سناً.
طور لويس باستور عمله من خلال إيجاد العديد من الطرق التي من شأنها حماية البشر من الأمراض و كان مصدر إلهامه رغبته الخاصة في تطوير معرفته و لكن مصدر الإلهام الأكبر كان شعوره بالوطنية .
كان روبرت كوخ (Robert Koch)  يتلقى الكثير من الإنتباه عبر أوروبا كلها بسبب إكتشافاته كما أن التنافس الكبير الذى كان بين فرنسا و ألمانيا كان حافز رئيسى لدفع عجلة التقدم الطبى . في عام 1881 إلتقى لويس باستور بكوخ في إجتماع عقد في لندن عندما كان كوخ يلقى محاضرة عن أخر إكتشافاته حتى ذلك التاريخ و عقب إنتهاء الإجتماع كل ما قاله له باستور كان “هذا تقدم كبير” فقط .
كان كوخ قد جمع حوله مجموعة من العلماء الباحثين بينما كان لويس باستور يعمل بمفرده لذلك أدرك أن هذه ليست طريقة جيدة للمضى قدماً لذلك قام هو أيضاً بجمع فريق من العلماء الماهرين فقد وجد أنه كان دائماً يفتقر إلى المعرفة الطبية لذلك قام بتعيين إثنان من الأطباء النابغين و هما إميل روكس (Emile Roux) و تشارلز تشامبرلاند (Charles Chamberland)  و كان أول عمل يتولاه هذا الفريق هو كوليرا الدجاج و هو المرض الذى أصاب الكثير من مُربى الدجاج في هذه الفترة.
علم باستور بخصوص الأعمال التى قام بها إدوارد جينر بخصوص مرض الجُدري و إعتقد باستور أنه طالما وجدوا لقح لمرض الجُدرى فالبتأكيد يمكن إيجاد لقاح لكل الأمراض و لكن لويس باستور لم يكن يعرف كيفية توصل جينر إلى اللقاح لذلك وجد نفسه يبحث عن لقاح لكوليرا الدجاج من خلال عملية التجربة و الخطأ.
في عام 1880 وجد باستور لقاح عن طريق الصدفة. قام تشامبرلاند بحقن بعض الدجاج بكوليرا الدجاج و لكن جراثيم قديمة منها و بالتحديد من الأنواع التي كانت موجودة من قبل و لكن الدجاج لم يموت و لذلك قام باستور بإستدعاء تشامبرلاند و طلب منه حقن الدجاج بجراثيم كوليرا الدجاج و لكن من النوع الحديث و علل باستور موقفه بأن الجراثيم الحديثة ستكون قوية للغاية.
و بالتالي كان هناك مجموعتان من الدجاج واحدة منهم التي تم حقنها بالأنواع القديمة من الجراثيم و الأخرى لم يتم حقنها و كانت المجموعة التي تلقت الجراثيم القديمة نجت بينما الأخرى لم تنجُ فكانت المجموعة التى حُقنت بالجراثيم القديمة أصبحت محصنة ضد كوليرا الدجاج و إعتقد باستور أن أجسامهم إستخدمت الشكل الأضعف القديم من الجراثيم لتشكيل دفاع ضد الجراثيم الأقوى و الأحدث من نفس النوع.
في عام 1881 أعلن باستور أنه توصل هو و فريقه إلى وسيلة لإضعاف جراثيم الجمرة الخبيثة و هذا بالتأكيد يُمهد للوصول إلى لقاح ضدها و على الرغم من شهرته في ذلك الوقت إلى أنه وجد من يسخر منه في عالم الطب .
قام روسينول رئيس تحرير جريدة الصحافة البيطرية و في عام 1882 بتحدى لويس باستور لإختبار لقاحه ضد الجمرة الخبيثة و عقدت الإختبارات في مايو 1882 و إستخدموا 60 من الأغنام في هذا الإختبار قام لويس باستور بالإبقاء على عشرة أغنام وقسم الخمسين الباقيين إلى مجموعتان تحتوي المجموعة على 25 رأس من الغنم و قام بحقن مجموعة منهم باللقاح بينما لم يحقن المجموعة الأخرى و كان المجموعتان قد حقنوا بجراثيم الجمرة الخبيثة جميع المجموعة التي لم تُعطى اللقاح توفيت في خلال يومان بينما المجموعة التى تم تلقيحها لم تموت و بعد إجراء تحاليل و فحوص وصفت بأنها سليمة بالكامل و بالتالى تأكدوا من لقاحات باستور و أنه لا يبالغ في وصف قوتها و صلاحياتها حتى أن جريدة التايمز التى تُصدر في بريطانيا العظمى أطلقوا على باستور واحداً من أمجاد فرنسا العلمية.
تحول باستور و فريقه بعد ذلك لمعالجة داء الكلب . كان داء الكلب قد ظهر و إنتشر في فرسنا في هذه الفترة و أدى لوفاة الكثير من الناس و على الرغم من كون الفريق لم يتوصل لتحديد الجرثومة المؤدية لهذا المرض إلا أنهم توصلوا إلى أن جرثومة داء الكلب لا تهاجم الجهاز العصبى إلا بعد أن تجد طريقها نحو المخ و لذلك قام الفريق بتتبع الجرثومة حتى المخ و الحبل الشوكي للحيوانات المصابة حتى قاموا بإنتاج لقاح ضد داء الكلب و تم إختباره للمرة الأولى على الحيوانات.
قام باستور بحقن الحيوانات الغير مصابة بجراثيم داء الكلب التي وجدها في الحبل الشوكى للحيوانات المصابة  و التى يبلغ عمرها أربعة عشر يوماً و لكنها كانت جرثومة ضعيفة نسبياً و لن تهدد حياة الحيوانات لذلك قام بإستخدام جراثيم الحبل الشوكي التى يبلغ عمرها ثلاثة عشر يوماً ثم التي تبلغ إثنا عشر يوماً و هكذا حتى وصل إلى أكثر أنواع الجراثيم ضراوة و هى الجراثيم الجديدة و نجا جميع هذه الحيوانات و بات باستور يواجه مشكلة عظيمة تتمثل في أن ما نجح على الحيوانات قد لا ينجح على البشر.
في عام 1885 تعرض طفل صغير يُدعى جوزيف مايستر (Joseph Meister)  للعض من كلب مسعور و قاموا بإحضار الطفل لباستور حتى يعالجه و كان الطفل معرض للموت لو لم يعالجه باستور لذلك قام لويس باستور بأخذ مخاطرة و إستخدام لقاحه الذى لم يتم تجريبه على البشر بعد.
و قال باستور عن تجريبه لهذا اللقاح على الطفل أنه كان يعرف أن وفاة هذا الطفل أكيدة لذلك كان لابد أن يتمسك بأخر أمل لديه و هو لقاح داء الكلب و الذى لم يكن قد تم تجريبه من قبل على البشر بالرغم من نجاحه على الحيوانات و لذلك بعد مرور ستة عشر ساعة على عض الكلب للطفل تم حقنه بجراثيم داء الكلب التي وجدت في الحبل الشوكي لأرنب توفي بالمرض و التى كان قد تم حفظها لمدة خمسة عشر يوماً في قارورة من الهواء الجاف و في الأيام التالية كانوا قد وجدوا جراثيم حديثة و قام باستور بحقن الطفل 13 مرة مثلما فعل في الحيوانات من قبل و في اليوم الأخير حُقن بأقوى نوع من الجراثيم و هى الحديثة.
نجا الطفل و علم باستور أنه بذلك قد توصل إلى لقاح لداء الكلب و من المفارقات المدهشة أنه برغم توصل لويس باستور و فريقه إلى لقاح جيد إلا أنه حتى الأن لم يعلم أحد كيفية عمله.

0 التعليقات:

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More